رجالات ومواقف مختلفة عبر التاريخ
بقلم: الشيخ/ سالم الحمود الجابر الصباح
كنت قبل عام قد سطرت بقلم/ سالم حمود جابر آل صباح، بعض كلمات لما لهذا التاريخ من أهمية لدي، وقد يكون كذلك لدى أبنائنا من شباب هذا البلد وأهمية هذا التاريخ إنه تاريخ 17 مايو عام 1896/م، حيث تولى «أبو الكويت الحديثة» وباني مجدها ونهضتها الشيخ/ مبارك بن صباح بن جابر آل صباح «مبارك الكبير»، وقد يسأل البعض عن أهمية هذا الرجل، ولهم أقول أنه ضحى بأعز ما لديه لبقاء هذا البلد، ولا أريد أن أدخل في سرد كل ما عمله هذا الرجل لخير «الكويت» وبقائها، ولكني أذكر عملاً واحدا مما عمل، وقد يكون كافياً لإعطاء صورة واضحة عنه، ففي تاريخ 23 يناير 1899/م، أبرم «مبارك الكبير» معاهدة دفاع مع «بريطانيا العظمى»، ولولا تلك المعاهدة لما كانت هناك «كويت».. التفاصيل هي أنه بتاريخ 29 يوليو 1901/م، حشدت «الإمبراطورية العثمانية» التي كان «العراق» تبعاً لها في ذلك الوقت ما بين عشرة وخمسة عشر ألف عسكري قرب الحدود الشمالية للكويت، وأرسلت وفداً يتكون من ثلاثة من ربابنتهم على طراد زهران ونزلوا إلى «الشيخ/ مبارك الكبير» بإنذار يتكون من ثلاثة مطالب تعجيزية الأول هو أن يغادر هو وعائلته الكويت إلى الأستانة «اسطنبول» أو أن يقبل تعيينه قائم مقام على إحدى الولايات التابعة للإمبراطورية العثمانية أو أن يتحمل نتيجة الرفض وإنهاء حكمه وحكم عائلته لها وإلى الأبد، وكان جوابه على هذا الموقف أن يمهلوه أياماً قليلة للتشاور، وفي الليلة نفسها كتب كتاباً إلى المقيم السياسي البريطاني في الخليج الموجود في «أبوشهر في إيران»، وسلم هذا الكتاب إلى أعز ثقاته من الكويتيين وهو «عيدان بن مطر العيدان» الذي حمله سراً على «الشوعي مساعد» وفي خلال يومين من ذلك وصل «طراد بريطاني» وقام هذا الطراد الزحاف ومن فيه بسحب «الجيوش العثمانية» الموجودة على «الحدود الكويتية العراقية»، وهذا الإجراء هو تنفيذ للمعاهدة التي أبرمها «مبارك الكبير مع بريطانيا العظمى» المذكورة سابقاً لكنه بمعنى أدق، لولاها لما كانت هناك «الكويت» التي ننعم بخيراتها منذ ذلك التاريخ، فهذا فضل كبير من الله الذي ألهمه لعمل ذلك، هذا السرد الموجز لتلك الحادثة يعكس ما عمله هذا الرجل من خير لبلده.
وقد ذكرت في « كلمتي بتاريخ 17 مايو من العام الماضي « بالتأثير الكبير لبعض ولاة الأمر في بلدانهم إن كان سلباً أو إيجاباً كما أسلفت من التأثير الإيجابي « لمبارك الكبير » على الكويت ذكرت عن «مروان بن محمد بن مروان آخر خلفاء بني أمية الذي انتهت على يديه الدولة الأموية»، وقد ذكرت كذلك ما كان « لمحمد داود شاه » من تأثير سلبي انتهى به «عهد ملوك أفغانستان» عام 1979/م، ولا بأس في هذا العام أن أذكر موقفين إيجابيين تركهما رجلان من القارة السمراء «إفريقيا» الأول هو «ليويولد سنغور أول رئيس لجمهورية السنغال الواقعة غرب إفريقيا» الذي ضرب موقفاً متناهياً في نكران الذات والتضحية بكرسي الحكم في سبيل مصلحة بلده حيث أنه رأى عدم إمكان الاستمرار في العطاء لوطنه حيث أنه كان مركزاً على شعره وعلمه لكونه شاعراً يحاضر في جامعة السوربون الفرنسية، وتنحى عن الحكم ليعين بدله «الرئيس السابق للسنغال عبده ضيوف»، واستمر في عطائه لعلمه وتخرج على يده الكثير ومات في هدوء في سكنه المتواضع قرب «شاطئ النورمندي» في شمال غرب «الجمهورية الفرنسية». والرجل الثاني الذي أردت أن ضرب مثل لحبه لوطنه وتفضيله على نفسه هو «أبو ثوار جنوب إفريقيا نيلسون مانديلا» الذي قاد ثورة لمقاومة من استعمر بلده ودفع نتيجة ذلك ضريبة قاسية عليه في بقائه في السجن أكثر من 25 عاماً، ولكنه لم ييأس مع غيره من «أهل جنوب إفريقيا» وواصلوا النضال إلى أن حصلوا على «الاستقلال» وأخيراً «رئيساً لأول جمهورية في جنوب إفريقيا»، حيث استقر له الأمر أمرا ناهيا للجميع هناك من جهة السن أو القدرة، واستمر في مساعي الخير ومرجعاً لما قد يستنير برأيه من أهل جنوب إفريقيا ومازال يعيش عيشة هادئة هانئاً بما قدمه لبلده، إذاً هذان المثلان الإيجابيان أوردهما هذا العام وقد يكون العالم مملوءا بمثل هذين الرجلين.