Loading the content... Loading depends on your connection speed!

مقالات بقلمة

الذكرى المئوية لرمز الوطنية

بقلم: سالم حمود الجابر الصباح

 

في مثل هذا اليوم الثامن عشر من شهر مايو من سنة 1896/م، أي منذ قرن من الزمان تسلم «الشيخ/ مبارك الصباح - طيب الله ثراه»، قيادة بلدنا العزيز حيث قاد سفينتها ببحارتها الأشداء وسواريها الشامخة وأشرعتها الثابتة ودفتها الصالحة في بحر متلاطم الأمواج مكفهر الطالع عميق اليوم إلى أن أوصلها إلى شاطئ الأمان واطمأن على سلامتها ومن فيها.

 

لقد تسلم - رحمه الله - مقاليد الحكم في «كويتنا العزيزة» في أصعب الأوقات التي مرت عليها منذ تكوينها على يد «جده/ صباح الأول سنة 1756/م»، بالأخطار المحدقة دولياً وإقليمياً تتوالى عليه طوال السنوات الخمس الأولى من حكمه، ولكنه بتوفيق من الله جل وعلا، وبعزيمة الرجال الأشداء وبمؤازرة الطيبين من «أهل الكويت» استطاع أن يتغلب على كل تلك الصعاب.

 

لقد كان - رحمه الله - كما قال الشاعر:

«ولقـد علمت بأنني رجـلفي الصالحات أروح أو أغدو

بـرد على الأدنى ومرحمةوعلى النوائب مـارد جلـد»

 

قد يكون من المستحسن أن أورد «هاتين الحادثتين» وهما من الحوادث الكثيرة التي تثبت أنه كما ذكر في البيتين السابقين:

«الحادثة الأولى»: أنه حدث خلاف بين «الكويتيين وبعض الأجانب» وتطور هذا الخلاف بينهم وقتل هؤلاء «الأجانب الكويتيين» وفروا من البلد، وعندما علم «الشيخ/ مبارك» بهذه الحادثة استنفر رجاله في الداخل وأصدقاءه وحلفاءه في الخارج إلى أن ألقى القبض عليهم في أحد البلدان المجاورة فاقتيدوا إلى «الكويت» وكانوا أربعة فأمر بقتل ثلاثة منهم لغدرهم بهذا «الكويتي» وأمر بإطلاق سراح الرابع لعدم ثبوت مشاركته في تلك الجريمة.

«الحادثة الثانية»: هي أنه حدث في إحدى السنوات في عهده كساد في «سوق اللؤلؤ» الذي يعتمد عليه الكثير من «الكويتيين» في ذلك الوقت، وانقطعت ببعض هؤلاء السبل في «الهند» حيث لا يتمكنون من بيعه لرخص سعره، فما كان منه عندما علم بذلك إلا أن أبلغهم بتسليم جميع ما لديهم من «لؤلؤ» إلى أحد وكلائه هناك وأمره بأن يدفع لهم ثمناً لهذا اللؤلؤ يعادل ثمنه عندما كان في «السوق» مزدهراً بالإضافة إلى ربح مجزٍ فوق ذلك الثمن.

 

لقد عاش مع «الشيخ/ مبارك الملقب بأسد الجزيرة» رجال بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، رجال أخذ هو حميد صفات من كبره منهم وأخذ من صغره منهم حميد صفاته وعلى سبيل المثال لا الحصر كان ممن عايش «الشيخ/ مبارك» قاسمه حلو الأيام ومرها، وشاركه الرأي والفتوحات «المغفور له الملك/ عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود» الذي بدأ معه انطلاقة العز وأتم بعد ذلك مسيرة المجد والسؤدد.

 

قد تسلط هذه الحادثة بعض الضوء على شخصية «الملك/ عبد العزيز» لمن لم يسمع أو يقرأ عنها وتعطينا فكرة عن هؤلاء الرجال الذين عايشوا «الشيخ/ مبارك»:

 

كان مجلس «الملك/ عبد العزيز» يضم مختلف الشخصيات البارزة في ذلك الوقت من كبار رجالات الحاضرة وأدبائها وزعماء القبائل وقادتها بالإضافة إلى رجالات من الدول العربية والأجنبية فكسب منهم مزيداً من العلم والثقافة وكسبوا منه خبرة ودراية. كان من ضمن جلسائه ذات مرة «الكاتب اللبناني/ أمين الريحاني» وكان يذكر له هذين البيتين:

«ولسنـا وأن أحـسابنا كـرمتيوما على الأحـسـاب نتكـل

نبني كمـا كـانت أوائـلـنـاتبني ونفعـل مثـل ما فعلوا»

 

فما كان من «الملك/ عبد العزيز» إلا أن رد عليه بأننا نبني كما بنوا ولكن نفعل أكثر مما فعلوا.

إذاً هذه عينة من الرجال الذين عاشوا وتعايشوا مع «الشيخ/ مبارك» وأخذت عنه وأبدعت وتفوقت.

إن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: هل أخذنا منه جليل صفاته ومقدرته مثل ما أخذ هو حميد الصفات وزكي الخصال من الذين سبقوه؟

 

إن ما حدث في «يوم الخميس 2 أغسطس 1990/م»، وما نتج عنه من مآسي هو تكرار للتاريخ وقد يكون على عظم الهول والدمار النفسي والفكري والمادي الذي أثره في «الكويتيين»  أخف وطأة مما حدث في عهد «الشيخ/ مبارك»، ففي أواخر يوليو 1901/م، حشدت «الدولة العثمانية» المتحكمة في مصير «العراق» في ذلك الوقت قوات تقدر بعشرات الألوف في «السماوة في العراق» إلى الحدود الجنوبية المتاخمة «لحدود الكويت الشمالية» بقصد احتلاله، وفي الوقت نفسه حاولوا تحييد واحد من أقوى حلفائه المحليين وتقوية أعدائه بقصد إضعافه وبعثوا إليه بأحد زبانيتهم في بارجة حربية جاءه مخيراً بين أمور ثلاثة أحلاها مر: فأما أن يقبل مغادرة بلده نهائياً مع جميع «أفراد أسرته» إلى «الأستانه – إسطنبول» والبقاء هناك ما قدر الله لهم أن يبقوا، أو أن يعين واليا على إحدى «الولايات العثمانية»، أو أن القوات المحتشدة على حدوده الشمالية ستحتل بلده وتطرده منها.

 

هذا مع العلم أنه كان واقعاً في ذلك الوقت في وضع صعب لا يحسد عليه، فبالإضافة إلى كل ما تقدم من مصاعب فإن العمق الاستراتيجي والدعم المعنوي والمادي اللا محدود الذي توفر أثناء كارثة 2 أغسطس 1990/م، من قبل «المملكة العربية السعودية» بقيادة خادم الحرمين الشريفين وبمساعدة أعضاء من أبناء وأحفاد «الملك/ عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود -يرحمه الله»، لم يكن متوافر، ومع كل ذلك هيهات أن يؤثر كل ذلك في رجل على شاكلة «الشيخ/ مبارك» أو أن يفت في عضده، فقد تمكن بما أنعم الله عليه من ثاقب بصر وبصيرة، وبمؤازرة الطيبين من «أهل الكويت»، أن ينهي تلك الأزمة ويدحر جميع تلك القوى الغادرة وبقيت «الكويت حرة عزيزة».

 

لقد كان - يرحمه الله - هبة من «الرحمن للكويت» ونقطة تحول في «تاريخ الكويت»، فلولاه لم تكن هناك «كويت أو كويتيون» ننعم جميعاً بهذا العيش الرغيد «أخوة متحابين» نتنافس على كل ما فيه خير لها، غير عابئين بما قد نسمع حولنا من أصوات خبيثة تحاول إثارة الأحقاد.

 

لقد كانت وفاة «الشيخ/ مبارك» خسارة «للكويت والكويتيين» الذين أخذوا يتذكرونه عقوداً من الزمن فكانوا يرددون «وينك يا مبارك؟» كلما حلت بهم مصيبة أو واجهوا مشكلة.

 

قبل أن أختم كلمتي هذه أتقدم بالشكر الجزيل للقائمين على جريدة «القبس» الغراء الذين فتحوا لي قلوبهم قبل أن يفتحوا صفحات جريدتهم.

 

وأخيراً، أختم كلمتي بهذه الأبيات المعبرة لشاعر/ تونس «محمد الشاذلي خازندار»:

 

«قــــــل هـــــــؤلاء هــــــــم الـــجــــــــــدودفدونكم الرشد سعى أولئك السواسي

عـــــار عــــلــيـنـــا أن نــخـــاف خـطــةالآبـاء فنخطـو خطـة الأنكـاس

وإذا تــرابــطــت الــقــلوب ببعضـــهاو تكهـربت بأشعـة الإحـسـاس

وســــعــــت إلــى استنهــاضهـا سعىالكرام فأرضت الآباء في الأرماس

وأقـــامـــت البرهــــان عن تــأهيلهـــافأبـانت الآثـار فـي الأغـراس»

 


   « السابق     1    2    3    4    5    6    7    8     التالي »  


© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ سالم الحمود الجابر المبارك الصباح 2025