Loading the content... Loading depends on your connection speed!

مقالات بقلمة

منكم وإليكم والسلام عليكم

الـتــعـــصـــب

بقلم: سالم حمود الجابر الصباح

 

ستجري في «وطننا العزيز الكويت»، بعد حوالي الشهر، «الانتخابات» التي يجريها أهله لاختيار من يمثلهم في «مجلس الأمة»، والديمقراطية في الكويت قديمة قدم هذا البلد، فقد اختير «صباح الأول بن جابر - أول حاكم للكويت - سنة 1756/م»، من قبل أهل بلده في جو من المحبة والوئام والتآلف والديمقراطية راضين به غير مرغمين عليها حاكماً لهم، يأتمرون بأمره ويتشاورون معه فيما يهمهم من الأمور الدينية والدنيوية التي فيها مصلحتهم ومصلحة بلدهم، واستمر هذا الأسلوب في اختيار «الحكام» الذين توالوا على حكم هذا البلد من بعده إلى يومنا هذا.

 

جعلت الطريقة التي أسلفت في اختيار «أول حاكم للكويت»، أحد المهتمين بالمنطقة من المؤرخين الغربيين الذي عمل خارطة جغرافية للخليج في القرن الثامن عشر، يضع كلمة «جمهورية الكويت» استناداً على ما سمعه من أهلها في طريقة اختيارهم لحاكمهم، إذا فالديمقراطية في الكويت قديمة منذ نشأتها وليست منذ «الستينيات أو الثلاثينيات أو العشرينيات»، وقد جاءت قبل «ثلاثة وثلاثين عاماً» من اختيار أول رئيس لأكبر دولة ديمقراطية في العالم وهي الولايات المتحدة الأمريكية، حيث اختير جورج واشنطن كأول رئيس لها في 30/4/1789/م، لقد أردت فيما تقدم من هذه الكلمة أن أوضح ما قد يكون خافياً على السواد الأعظم من «أهل الكويت»، محاولاً أن أوضح كذلك أن استمرارية وبقاء هذا البلد هما باستمرارية هذا النهج من التشاور والتفاهم لما فيه خير «الكويت والكويت» فقط.

 

إن التفاخر والاعتزاز بالطيبين من أفراد اسرتك أو عائلتك أو عشيرتك أو طائفتك أو قبيلتك هما أمر طبيعي ولا اعتراض لأحد عليه لكن في الحدود التي لا تؤثر على مصلحة وديمومة الوطن، «فالوطن» هو أساس بقائنا جميعاً، ولنا في زلزال أغسطس 1990/م، خير دليل والذي خرجت منه «الكويت بعد سبعة أشهر»، رجع الوطن إلى أهله والحمد لله ليس بتعصب لأسرة أو لعائلة أو لعشيرة أو لطائفة أو لقبيلة بل التعصب «للكويت» والحمية لها.

 

لقد بدأت العلامات الأولى لهذا التعصب في العقدين أو الثلاثة الماضية، ولكنه اتضح أكثر وبرز في انتخابات 1992/م، إلى أن وصل بأحدهم أن تخلى عن اسم أبيه، الذي هو أساسه واستبدله باسم قبيلته، إن الوالدين أو الأخوة أو الأقارب أو الأصدقاء يساوي الطيب منهم عند أي واحد منا أعز ما يملك مما حباه الله من نظر أو سمع أو عقل أو أي شيء آخر مهم من جسمه، والوطن يقع بمنزلة هذا الجسم فأي فائدة ترجى من هذه الأعضاء إذا مات هذا الجسم؟.. إن هذا التعصب الأعمى وحمية الجاهلية الأولى هما بلا شك معول هدم وتدمير للوطن.

 

على ذكر التعصب أذكر مايلي: كانت هناك لعبة شعبية قد تكون معروفة لمعظم من تعدى «الخمسين من العمر من الكويتيين» وهي لعبة: (عماكور طاح بالتنور) - والتنور هو موقد النار الذي يخبز فيه الخبز الخمير – واللعبة هي أن تعصب عين اللاعب بعصابة، والعصابة هنا ليست بالمعنى المتعارف عليه، بل هي قطعة من القماش تعصب بها عين اللاعب لكي تمنعه من الرؤية، لك أيها القارئ أن تتصور ما يحدث له وهو يمشي دون أن يرى.

 

إن السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل هناك علاقة بين عصب العين لعدم تمكينها من الرؤية والتعصب؟ إذا كان كذلك، فإني أتمنى على الأخيار من «أهل الكويت» أن تكون قاعدة اختيارهم لممثلينا في «مجلس الأمة» المقبل هي مصلحة الكويت، وإن يكون تعصبهم بها ولها فقط وبهذا يجنبوننا الوقوع في التنور والاحتراق به لأن الزلزال قد يبقي شيئاً ولكن النار لا والعياذ بالله، وأتمنى كذلك على أجهزة الإعلام المنظورة والمسموعة والمقروءة الرسمية منها والخاصة، أن تُعيد النظر في ترديدها ولهذه التعصّبات، لأنها بعملها هذا ستكون من حيث تدري أو لا تدري معول هدم آخر للمجتمع ولنا في التاريخ أمثلة لما حدث من مآس بسبب التعصب إن كان ما غار فيه، مثل حرب البسوس، التي حصدت أرواحاً كثيرة بسبب التعصب «لناقة البسوس» عندما منعت من الشرب، أو ما حدث مؤخراً في «رواندا وبوروندي» وذهاب مئات الألوف من الأرواح بسبب التعصب كذلك.

في ختام هذه المقالة أورد أبياتاً بهذا المعنى قد يكون فيها تذكير.. « فإن الذكرى تنفع المؤمنين» (صدق الله العظيم)

«خـذوا حذركم يا قوم ينفعكم

فليس ما قد أرى بالأمر يحتقر

إني أرى شجراً من خلفه بش

رفكيف تجتمع الأشجار والبشر؟»

 


   « السابق     1    2    3    4    5    6    7    8     التالي »  


© جميع الحقوق محفوظة لموقع الشيخ سالم الحمود الجابر المبارك الصباح 2025